من الدلالات إلى الإشكالية:
إن لفظ السعادة يختلف مدلوله باختلاف تمثل الناس له فمنهم من يربط السعادة بالمال، أو بالصحة، بالسلطة أو العرف و الأخلاق أو في انسجام الأسرة.
مفهوم السعادة إذن يتضمن الأبعاد التالية: هناك البعد المادي و البعد الاجتماعي و البعد المعنوي، و على هذا الأساس فإن السعادة تتجلى في ثلاث مستويات:
المستوى المادي و يتمثل في الإشباع و تلبية مختلف الحاجات في جميع أشكالها.
و هناك المستوى المعنوي العقلي و يتجلى في التسيير و التدبير.
و هناك المستوى الوجداني الشعوري و يتمثل في الرضا الذي يشعر به الفرد عند إنجازه لعمل ما.
و في هذا الإطار يمكن طرح التساؤلات التالية:
هل تعتبر السعادة وليدة الصدفة ؟ أم أنها نتيجة مجهود لابد من بذله ؟
هل السعادة ممكنة في الأرض أم أنها لا تتحقق إلا في العالم الآخر ؟
و هل يمكن قيام سعادة فردية في غياب السعادة الجماعية ؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات مرتبط بمفهوم الحكمة كما حددها الفلاسفة المسلمون، و لهذا سنعالج مفهوم السعادة من خلال مواقفهم.
السعادة إرضاء للبدن أن للعقل أم للقلب ؟
لقد حدد الفلاسفة المسلمون لفظة سعادة من خلال التأكيد على مسألتين أساسيتين: ضبط مفهوم اللذة هل هي جسدية أم عقلية مع تحديد أيهما أفضل، يقول الأصفهاني « اللذة هي إدراك المشتهى و الشهوة انبعاث النفس لنيل ما تتشوقه » أما من حيث المفاضلة فإن اللذة العقلية أفضل من اللذة الجسدية المحتقرة لأن هذه الأخيرة يشارك فيها الحيوان و الإنسان و لهذا فالسعادة لا ترتبط بالمستوى الحسي للذة بل إن أشرفها هي تلك المرتبطة باللذة العقلية.
إن تفضيل اللذة العقلية على اللذة الحسية سيجعل من السعادة خيرا على الإطلاق لأنها خالية من المنفعة و لا تلحق أي ضرر، و لهذا فهي تطلب لذاتها دون أن يتضرر منها أي شخص بخلاف المجالات الحسية التي قد تلحق الضرر بالآخرين.
إن هذا الموقف يرتبط بالتصور العام للفلاسفة المسلمين الذين ميزوا في الإنسان بين ما هو جسدي و ما هو عقلي و اعتبروا أن الجانب العقلي هو الجانب الأرقى لأنه يتسم بالطهارة، و بالتالي فإن الإنسـان لا يمكنـه أن يحقـق السعـادة إلا مـن خـلال انفصـاله مـن خـلال شهـواته و نـزواته و رذائله و هذا الموقف عـامة نجده لدى الفـلاسفة اليـونان و خصـوصا عند سقـراط و أفلاطون، و على هذا الأساس يربط الفرابي الشقاء الإنساني بذلك التداخل الحاصل بين النفس الطـاهرة و دنـاسة البـدن، و الإنسان في نظره يقترب من السعادة كلما استطاع أن يطهـر نفسه و يفصلها عن كل الشهوات لأنه لا يجني من هذه الأخيرة إلا الشر و الشقاء.
و في نفس السياق يؤكد "ابن مسكويه" على ضرورة تهذيب الأخلاق و ذلك عن طريق الفصل المحقق للنفس عن الجسد لأنهما من طبيعتين مختلفتين و متناقضتين، فالنفس في نظره عبارة عن جوهر بسيط غير محسوس، أما الجسد فطبيعته مادية و لهذا فالنفس أشرف و أرقـى مـن الجسـد و تتمثل فضيلتها في طلب العلم و المعرفة و كلما ازداد اشتياق النفس للعلوم و المعارف كلمـا تحقق السعـادة و اكتمـال الإنسان و تجـرده عن كل ما هو محسوس و ابتعـاده عن العامة و البسطـاء و من ثم تظهر المعادلة التالية لدى الفلاسفة المسلميـن و العـرب: اتبـاع الجسد و إشباع الشهـوات و اللذات الحسية نجـده لـدى العـالة و البسطـاء أما اتبـاع العقـل و تطهيـر النفس من النـزوات و طلب العلـم و المعـرفة و تحصيل السعادة نجده لـدى العلماء و الراسخين.
نستنتج من هذا أن ارتباط العقل أو النفس بالعلوم أو المعارف يؤدي إلى تحصيل الحكمة التي هي أسمى تجليات العقل البشري، و هي الطريق الوحيد الذي يمكن من تحقيق السعادة إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: كيف يمكن تحقيق هذه السعـادة ؟ و ما هـي الأدوات التي تعتمد لتحقيقهـا ؟.
فبما أن السعادة النظرية يتحدد موضوعها في الوجود بصفة عامة أي البحث في الوجود الإلهي بطبيعتها و صفاتها و وجود العالم و الوجود الإنساني فهناك طريقان منهجيان لتحقيق السعادة: طريق أهل البرهان و النظر العقلي و هم الفلاسفة و طريق أهل العرفان و هم المتصوفة؛
فبالنسبة للفلاسفة يتم تحقيق السعادة فلسفيا عن طريق الانتقال من العالم السفلي إلى العالم العلوي أي عالم العقول المنفصلة عن الماديات و هذه المرتبة لا يحققها إلا الفلاسفة.
أما بالنسبة لأهل العرفان أي المتصوفة فإنهـم يحققـون السعادة عـن طـريق الإشـراق و الحضرة الإلهية و الأساس هو مجاهدة الجسد و كبح الرغبات و الابتعاد عن الدنيا، إن طريق السعادة لديهم لا يتم بالعقل و إنما يتم بالباطن عن طريق إشراق النور الإلهي في قلب المتصوفة.
إلا أن السؤال المطروح و الذي يفرض نفسه هو هل يمكن أن تتحقق السعادة في التجربة الفردية فقط أم أن لها بعدا اجتماعيا ؟
إن لفظ السعادة يختلف مدلوله باختلاف تمثل الناس له فمنهم من يربط السعادة بالمال، أو بالصحة، بالسلطة أو العرف و الأخلاق أو في انسجام الأسرة.
مفهوم السعادة إذن يتضمن الأبعاد التالية: هناك البعد المادي و البعد الاجتماعي و البعد المعنوي، و على هذا الأساس فإن السعادة تتجلى في ثلاث مستويات:
المستوى المادي و يتمثل في الإشباع و تلبية مختلف الحاجات في جميع أشكالها.
و هناك المستوى المعنوي العقلي و يتجلى في التسيير و التدبير.
و هناك المستوى الوجداني الشعوري و يتمثل في الرضا الذي يشعر به الفرد عند إنجازه لعمل ما.
و في هذا الإطار يمكن طرح التساؤلات التالية:
هل تعتبر السعادة وليدة الصدفة ؟ أم أنها نتيجة مجهود لابد من بذله ؟
هل السعادة ممكنة في الأرض أم أنها لا تتحقق إلا في العالم الآخر ؟
و هل يمكن قيام سعادة فردية في غياب السعادة الجماعية ؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات مرتبط بمفهوم الحكمة كما حددها الفلاسفة المسلمون، و لهذا سنعالج مفهوم السعادة من خلال مواقفهم.
السعادة إرضاء للبدن أن للعقل أم للقلب ؟
لقد حدد الفلاسفة المسلمون لفظة سعادة من خلال التأكيد على مسألتين أساسيتين: ضبط مفهوم اللذة هل هي جسدية أم عقلية مع تحديد أيهما أفضل، يقول الأصفهاني « اللذة هي إدراك المشتهى و الشهوة انبعاث النفس لنيل ما تتشوقه » أما من حيث المفاضلة فإن اللذة العقلية أفضل من اللذة الجسدية المحتقرة لأن هذه الأخيرة يشارك فيها الحيوان و الإنسان و لهذا فالسعادة لا ترتبط بالمستوى الحسي للذة بل إن أشرفها هي تلك المرتبطة باللذة العقلية.
إن تفضيل اللذة العقلية على اللذة الحسية سيجعل من السعادة خيرا على الإطلاق لأنها خالية من المنفعة و لا تلحق أي ضرر، و لهذا فهي تطلب لذاتها دون أن يتضرر منها أي شخص بخلاف المجالات الحسية التي قد تلحق الضرر بالآخرين.
إن هذا الموقف يرتبط بالتصور العام للفلاسفة المسلمين الذين ميزوا في الإنسان بين ما هو جسدي و ما هو عقلي و اعتبروا أن الجانب العقلي هو الجانب الأرقى لأنه يتسم بالطهارة، و بالتالي فإن الإنسـان لا يمكنـه أن يحقـق السعـادة إلا مـن خـلال انفصـاله مـن خـلال شهـواته و نـزواته و رذائله و هذا الموقف عـامة نجده لدى الفـلاسفة اليـونان و خصـوصا عند سقـراط و أفلاطون، و على هذا الأساس يربط الفرابي الشقاء الإنساني بذلك التداخل الحاصل بين النفس الطـاهرة و دنـاسة البـدن، و الإنسان في نظره يقترب من السعادة كلما استطاع أن يطهـر نفسه و يفصلها عن كل الشهوات لأنه لا يجني من هذه الأخيرة إلا الشر و الشقاء.
و في نفس السياق يؤكد "ابن مسكويه" على ضرورة تهذيب الأخلاق و ذلك عن طريق الفصل المحقق للنفس عن الجسد لأنهما من طبيعتين مختلفتين و متناقضتين، فالنفس في نظره عبارة عن جوهر بسيط غير محسوس، أما الجسد فطبيعته مادية و لهذا فالنفس أشرف و أرقـى مـن الجسـد و تتمثل فضيلتها في طلب العلم و المعرفة و كلما ازداد اشتياق النفس للعلوم و المعارف كلمـا تحقق السعـادة و اكتمـال الإنسان و تجـرده عن كل ما هو محسوس و ابتعـاده عن العامة و البسطـاء و من ثم تظهر المعادلة التالية لدى الفلاسفة المسلميـن و العـرب: اتبـاع الجسد و إشباع الشهـوات و اللذات الحسية نجـده لـدى العـالة و البسطـاء أما اتبـاع العقـل و تطهيـر النفس من النـزوات و طلب العلـم و المعـرفة و تحصيل السعادة نجده لـدى العلماء و الراسخين.
نستنتج من هذا أن ارتباط العقل أو النفس بالعلوم أو المعارف يؤدي إلى تحصيل الحكمة التي هي أسمى تجليات العقل البشري، و هي الطريق الوحيد الذي يمكن من تحقيق السعادة إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: كيف يمكن تحقيق هذه السعـادة ؟ و ما هـي الأدوات التي تعتمد لتحقيقهـا ؟.
فبما أن السعادة النظرية يتحدد موضوعها في الوجود بصفة عامة أي البحث في الوجود الإلهي بطبيعتها و صفاتها و وجود العالم و الوجود الإنساني فهناك طريقان منهجيان لتحقيق السعادة: طريق أهل البرهان و النظر العقلي و هم الفلاسفة و طريق أهل العرفان و هم المتصوفة؛
فبالنسبة للفلاسفة يتم تحقيق السعادة فلسفيا عن طريق الانتقال من العالم السفلي إلى العالم العلوي أي عالم العقول المنفصلة عن الماديات و هذه المرتبة لا يحققها إلا الفلاسفة.
أما بالنسبة لأهل العرفان أي المتصوفة فإنهـم يحققـون السعادة عـن طـريق الإشـراق و الحضرة الإلهية و الأساس هو مجاهدة الجسد و كبح الرغبات و الابتعاد عن الدنيا، إن طريق السعادة لديهم لا يتم بالعقل و إنما يتم بالباطن عن طريق إشراق النور الإلهي في قلب المتصوفة.
إلا أن السؤال المطروح و الذي يفرض نفسه هو هل يمكن أن تتحقق السعادة في التجربة الفردية فقط أم أن لها بعدا اجتماعيا ؟
0 التعليقات :
إرسال تعليق