مجزءة الوضع البشري : الشخص
الشخض والهوية:
- إن الحديث عن الوضع البشري يدعونا بالضرورة إلى الحديث عن الإنسان من حيث هو كيان يتحدد بالوعي والإحساس والشعور في هذا الإطار نتساءل كيف تتحدد هوية الشخص حسب التصورات الفلسفية المختلفة؟
ينطلق"ديـكارت"من فكرة الإعلاء من شأن الذات الإنسانية بحيث بنا مشروعه الفلسفي حول فكرة الكوجيطو فالفكر أو الوعي هو أساس الوجود الإنساني . ومن ثم يمكن القول بان الشخص حسب ديكارت يتحدد بخاصية الوعي هذه التي تشكل مدخلا نحو تحديد هوية الإنسان واثبات وجوده بخلاف لهذا المنظور العقلاني ل" ديكارت"نجد الفيلسوف الانجليزي " جون لوك" ومن خلال الفلسفة التجريبية يؤسس منظور جديد حول هوية الإنسان ذلك أن الشخص لا يتحدد من خلال خاصية الوعي أو الفكر بل يتحدد من خلال خاصية الإحساس .
بخلاف لهذا المنظور يرى "جون لوك"يرى بأن العقل لا يعدو أن يكون مجرد إطار فارغ ( فالعقل يولد عبارة عن صفحة بيضاء) تبعا لهذه القناعة يعتبر" جون لوك" بأن أساس هوية الشخص تتحدد من خلال الإحساس والتجربة وليس من خلال العقل والوعي,فالإحساس هو مدخل الشخص نحو الوعي بالذات والآخرين.
في ذات السياق نجد الفيلسوف الشخصاني "مونيي " الذي ينظر إلى الشخص ليس كموضوع أو شيء من الأشياء بل هو بنية شعورية داخلية فالشخص يختلف عن الفرد إذ أن الفردانية تجعل الفرد ككائن مختلف متمركز حول ذاته أما الشخصانية فتجعل من الكائن البشري يخرج من تمركزه حول الذات إلى الانفتاح على العالم .إن الشخص حسب" مونيي " هو ذلك الواقع الكلي الشمولي انه بنية شعورية داخلية. وهكذا فالشخص هو الشيء الوحيد الذي نعرفه والذي نشكله من الداخل في الوقت نفسه فبقدر ما يكون الشخص قادرا في كل مكان فهو لا يوجد في أي مكان كما يقول "مونيي"
الشخض بوصفه قيمة:
- كيف تتحدد قيمة الشخص؟ بعبارة أخرى كيف يمكن أن ننظر إلى الشخص كقيمة أخلاقية؟ لقد أثار هذا السؤال مجالا فلسفيا اختلفت في تناوله الخطابات الفلسفية من ثم نتساءل ما هي المقاربات الفلسفية التي تناولته؟ وما هي أسس النظر التي اعتمدتها في ذلك؟
ينطلق الفيلسوف الأمريكي"راولز" في تحديده لقيمة الشخص من خلال عضويته في المجتمع وانفتاحه على الآخرين والتزامه بالقيم والمبادئ الأخلاقية العامة فالشخص إذن هو كائن حر تتحدد هويته بالحرية وتحديدا في المجتمعات الديمقراطية يعتبر المواطنون أشخاصا أحرارا متساوين في الحقوق والواجبات ولا يمكن أن نميز بعضنا البعض إلا من خلال مهاراتهم وكفاءاتهم .إن الشخص إذن حسب" راولز " لا تتحدد قيمته إلا من خلال النظر إليه ككائن أخلاقي حسا بالعدالة وشعورا بالخير يدفعه إلى المساهمة في بناء عادل وخير أساسه التعاون الاجتماعي.
في ذات السياق أسس الفيلسوف الألماني " كانط " تصوره لإشكالية الشخص بوصفه قيمة فإذا كان الإنسان ظاهرة من الظواهر الطبيعية وشيئا من أشيائها فان هذا الإنسان يسمو عن باقي الموجودات بالعقل وتحديدا بالعقل العملي الأخلاقي . إن البطاقة الشخصية الأخلاقية عند الإنسان تتحدد أساسا بشرط امتلاكه للعقل العملي الأخلاقي هذا الذي يشكل مقدمة نحو ولوج الإنسان عالم ومملكة الأخلاق وحيث الواجب والفضيلة والكرامة. إن امتلاك الإنسان للعقل العملي الأخلاقي يجعله يرغم باقي الذوات العاقلة الأخرى على احترامه وذلك بالنظر اليه كغاية في ذاته لا كوسيلة .
ينخرط الفيلسوف الألماني "هيجل" في نقاش هذه الإشكالية إذ يعتبر أن قيمة الشخص تتمثل في التزامه بالسلوك الأخلاقي وامتثاله للقانون المتمثل في الواجب وبكلمة واحدة فان قيمة الشخص الأخلاقية تتحدد في تمثله وامتثاله لروح الشعب أي الأخلاق العامة مما يؤدي به إلى السمو إلى مرتبه أعلى تتمثل في الوعي بالذات كذات حرة منفتحة على الواقع والآخرين و المساهمة في بناء العلاقات الاجتماعية على قاعدة جدلية أساسها التأثر و التأثير.
- تبعا لما سبق يمكن أن نخلص إلى القول بأن مفهوم الشخص باعتباره قيمه أخلاقية قد شكل إشكالية فلسفية معقدة.
الشخض بين الضرورة والحرية:
- يشكل مفهوم الشخص مفهوما معقدا استأثر باهتمام الخطابات الفلسفية المختلفة ويتجلى طابعه الإشكالي في بعض المفارقات التي ينطوي عليها و التي يمكن صياغتها في الشكل الاستفهامي التالي كيف يتحدد موقع الشخص بين مقولتي الضرورة والحرية؟ بعبارة أخرى هل الشخص حر في بناء شخصيته واختيار سلوكا ته وتوجهاته أم انه خاضع في ذلك لجملة من الحتميات؟
يرى المحلل النفساني "فرويد"بأن الشخص ليس حرا في بناء شخصيته واختيار سلوكاته وميولاته لان ذلك يتحدد وفق حتميات بيولوجية وسيكولوجية من قبيل حتمية اللاشعور وحتمية الصراع النفسي فالا شعور إذن هو ذلك المحدد الخفي الذي يوجه سلوكاتنا ورغباتنا و ميولاتنا كما ان شخصية الإنسان تتحدد من خلال حصيلة حتمية الصراع النفسي بين مكونات الجهاز النفسي هكذا إذن وحسب منظور العلوم الإنسانية نجد الإنسان غير قادر على بلورة سلوكاته وتوجهاته وميولاته خارج سياق الحتميات السيكولوجية إذن فالشخص ليس حرا.
خلافا لهذا المنظور نجد الفلاسفة يقرون بحرية الشخص وان كانت تتفاوت درجاتها تتفاوت بين النسبي والمطلق فهذا الفيلسوف الفرنسي " سبينوزا" يرى بأن الشخص يظل يراوح مكانه بين مملكة الضرورة ومملكة الحرية إذ يعتقد انه حر في رغباته والحقيقة انه ليس كذالك لأنه ليس هناك حرية خارج الضرورة الطبيعية فالرغبة هي حرية وإرادة من جهة وحاجة وضرورة من جهة أخرى.
في ذات السياق ينخرط الفيلسوف الفرنسي "مونيي" الذي يرى بأن قيمة الشخص تتحدد من خلال عضويته وانتسابه للمجتمع لكن هل خضوع الشخص للمجتمع نفي لحريته . يرى "مونيي"أن الشخص هو بالتعريف كيان حر وانتمائه للمجتمع لا يجب أن يلغي ويصادر حريته.فمن واجب المجتمع أن يصون حرية الأفراد وان يرقى بها وان يحترم ميولاتهم و خياراتهم لان الشخص هو الذي يقرر مصيره بنفسه.
- اعتبارا لما سبق يمكننا أن نخلص إلى القول بأن إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية من الإشكالات التي شغلت بال الفلاسفة وعلماء الإنسان لان الشخص في ذاته يظل يشكل موضوعا غامضا ومستعصيا يتوجب بذل المزيد من المجهودات لفهمه.
إخواني لا زال هناك متسع من الوقت فإستغلوه جيدا،، لا تنتظروا حتى الأيام الأخيرة وتبدأوا الإستعداد للغش
المرجوا نشر الموقع لتشجيعنا و شكرا
0 التعليقات :
إرسال تعليق